قصة قصيرة لأحداث واقعية يرويها لكم:
محمد المردوف الكثيري
(إنه الوفاء ولاشيء غيره ...)
أبطال الرواية : (أحمد وأمه والكهل)
فقط الأسماء ليست حقيقية لحفظ الخصوصية
إلى الرواية والحكاية آمل أن تكون خفيفة على القراء ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½
أحمد ذلك الرضيع الذي لم يتوافقا أمه وأبيه على مواصلة الحياة معا... وقررا الإنفصال ... وهو لايزال رضيعا ... إنفصلا ... رحلت أم أحمد بطفلها الوحيد إلى ديار ذويها التي تفصلها عن بيت طليقها مسافة طويلة ألف كيلو متر وأكثر...
أكثر ما كان يشغل أم أحمد ... كيف أن تجعل من إبنها الوحيد إبنا مميزا في أخلاقه وتعليمه ومناقبه ... غرست فيه كل معاني العزة والكرامة والنخوة والنجدة والإيثار والصدق والمرؤة ...
إضافة إلى هذا وذاك ناضلت نضالا مستميتا ليتفوق دراسيا وقد تحقق ذلك...
لبعد المسافة بين والدته ووالده لم يكن هناك تواصل دائم بين أحمد وأبيه وحيث لم يكن هناك خصام بل إنفصال بالتراضي بين أمه وأبيه.. فانقطع التواصل لبعد المسافة ... مرت السنوات تلي السنوات أحمد يكبر وأمه يكبر طموحها وأملها بالله أن يكون إبنها مميزا بالعلم والأخلاق...
عندما بلغ أحمد من العمر ظ،ظ¤ عاما يوما من الأيام ورد إليه إتصال ...
(جوال أحمد يرن)
أحمد : ألو
المتصل : السلام عليكم
أحمد : أهلا وعليكم السلام كيف الحال؟
المتصل : الحمد لله.. كيفك يا أحمد؟؟
أحمد : الحمد لله أنا بخير.. من معي؟
المتصل : أنا عمك عبدالله يا أحمد.
أحمد : أهلا ومرحبا عمي أحمد فرصة سعيدة أسمع صوتك كيفك عمي وكيف حال أبي وكيفكم الجميع ؟
المتصل : كلنا بخير وتنقصنا رؤياك ... قررنا أنا ووالدك نذهب للعمرة ونود اصطحابك معنا لأداء العمرة... ما رأيك؟؟
أحمد : موافق وإنها ستكون أسعد لحظات حياتي... ولكن متى؟
المتصل : بإذن الله بعد صلاة المغرب غدا سنكون عندكم كن جاهز بملابسك وامتعتك الشخصية فور وصولنا سنصحبك لنغادر إلى الديار المقدسة لأداء العمرة.
أحمد : موافق ... ولكن أقترح عليكم عمي العزيز عبدالله عندما تصلوا مساءا أن تستريحوا من عناء السفر وتقضوا الليلة عندنا ومن الصباح الباكر بعد صلاة الفجر نرحل إلى الديار المقدسة لأداء العمرة.
المتصل : طيب يا أحمد على بركة الله وهو كذلك في أمان الله ونلقاك على خير غدا.
أحمد : في أمان الله سلم على والدي والجميع عندك.
المتصل : يبلغ السلام في آمان الله وحفظه وتوصلوا بالسلامه أنتظركم.
(إنتهت المكالمة بين أحمد وعمه)
ذهب أحمد على الفور لأمه وقال لها أمي أريدك على إنفراد ذهبت معه وجلس إليها قالت له قل يا أحمد... قال أحمد أريدك في أمر ولم أتعود منك الخذلان وأتمنى أن تسهلي مهمتي وتبيضين وجهي ...
قالت له أمه تم ... وماذا هناك !!؟؟
قال لها إتصل بي عمي عبدالله سيحضر مع أبي غدا المساء ليصطحبونني معهم لأداء العمرة وإقترحت على عمي عندما يصلوا غدا مساءا أن يستريحوا من عناء السفر وتالي الليل نرحل بعد صلالة الفجر..
ردت أمه وما هو المطلوب مني ؟؟؟
قال لها رضاك لا أكثر ...
قالت له انا راضية عنك يا إبني... وماذا بعد ؟؟؟
قال لها كنت متوقع منك هذا الرد أمي حبيبتي...
قالت له وماذا بعد؟؟
قال لها بقى أمرين لأبيض وجهي ...
قالت له : آمر أحمد
قال لها : أطلب منك ثلاثة طلبات الأول أن توافقي أن يبيتوا عندنا ... والطلب الثاني أن تجهزي المجلس بمفارش لمبيتهم عندنا ... قالت له تم ... شكرها وقبل رأسها كفيها ...
بادرته وماهو الطلب الثالث؟؟؟ قال لها هو الأهم وأخشى لن تستطيعي تلبيته ... قالت: وماهو ؟؟؟
قال لها : أمي الحبيبة أريد أن أكرم أبي وعمي في لقاء بعد غياب طويل هل نستطيع أن نكرمهم بعشاء يليق بهذا اللقاء ... قالت له نعم خذ يا أحمد هذا المبلغ واشتري ذبيحة واذبحها صباح الغد واذهب بها لمطعم الولائم لتكون بعد المغرب جاهزة وتحضرها وتذهب مع والدك وعمك لصلاة العشاء في الجامع وانا احضر لكم المائدة ... شكر أحمد أمه مجددا وقال لها أنتي أعظم أم يا أمي ... ردت عليه وأنت أعظم إبن يا أحمد
مرت الليلة وأحمد يترقب الثواني والدقائق والساعات حان وقت النوم الصباح بعد الشروق تأهب أحمد وأمه لكل جدولهم تحضير حقيبة السفر لأحمد وتجهيز المجلس لمبيت ضيفين ...
وفي الصباح انطلق أحمد لسوق الماشية ... إشترى شاة سمينة وذهب بها إلى المسلخ ... وتم تجهيزها وذهب بها إلى المطعم المجاور ... سأله صاحب المطعم كم عدد الأشخاص ؟؟ ومتى سنحضر للإستلام ... أعطاه أحمد كل التفاصيل وقال له قبل المغرب بعشرة دقائق يكون جاهز ... اتفقا غادر آحمد المطعم ...
عاد احمد لوالدته وجد كل شيء جاهز ... المجلس وحقيبة السفر... قبل المغرب ذهب أحمد للمطعم ليستلم الذبيحة والعشاء ... وكانت الصدمة !! المطعم مغلق وعليه شمع أحمر دلالة أنه خالف وأغلق ... بحث أحمد يمينا وشمالا لم يجد أحد... والوقت ضيق وشعر بإحراح شديد ... لايوجد وقت للتفكير ... الوقت آزف ... ذهب لمطعم ولائم مجاور وجد ذبائح معلقة دخل ذلك الفتى مرتبكا لاهثا... أخبر صاحب المطعم بكل الحكاية ...وقال له أرجوك إنقذ الموقف وسوف أسدد لك فيما بعد ...وقريبا !!! أبي وعمي في الطريق ...
رد صاحب المطعم إبني والله أنني أقدر شدة الإحراج الذي تتعرض له في هذه اللحظات...
ولكن هذه الذبائح ليست للبيع وإنما لأناس أودعوها هنا لنجهز لهم ولائمهم ...
وبدأ أحمد يترجى وبإلحاح أن يتصرف صاحب المطعم لإنقاذ الموقف بأي طريقة... وصاحب المطعم شعر بمسؤولية وواجب الطلب ... ولكنه لم يستطع فعل شيء لضيق الوقت وفي تلك الأثناء كان هناك رجل ستيني ... لاحظ ولمح تلك الجلبة بين صاحب المطعم وذلك الفتى فدفعته اللحظات ليتدخل .. ذهب للفتى وقال له ما بك يا ابني ؟؟؟
أخبر أحمد ذلك الكهل بكل الحكاية.. قال له الكهل هديء من روعك ياصغيري ...
كل شيء له حل ولازال الكهل يواصل تهدئة أحمد ...
ولا يزال الكهل مسترسلا قال له انا عندي ضيوف وجهز لي المطعم ذبيحتين انا سأكتفي بواحدة وأنت خذ واحدة وقم بواجبك مع ضيوفك ... وافق أحمد على الفور ومن فرط الفرح ... ولحداثة عمره ... وقلة خبرته في الحياة لم يسأل أحمد ذلك الكهل عن إسمه أو رقم هاتفه أو حتى عنوانه...
فأمر ذلك الكهل صاحب المطعم أن يقسم كل شيء لنصفين له ذبيحة وتوابعها ولأحمد ذبيحة وتوابعها... جهز صاحب المطعم الطلبين ومضى كلا إلى حال سبيله... عاد أحمد فرحا إلى امه وادخل العشاء للمطبخ لتقوم أمه بتحضير وليمة العشاء... بعدها بدقائق وصلا من كان يرتقبهما أحمد ... والده وعمه وبعد السلام الحار والحديث والسؤال عن الأحوال وواجب الضيافة والقهوة الترحيبية...
حانت صلاة العشاء تصاحبوا للجامع وبعد أن فرغوا من الصلاة وجدوا المائدة جاهزة تناولوا العشاء ... عند العاشرة مساءا إستأذنهم أحمد ليتركهم يناموا وأيضا لينام هو لأنهم على سفر بعد صلاة الفجر... غادرهما وذهب أحمد لأمه وتبادل أحاديث قبل النوم كالعادة ... وحكى لها كل الحكاية منذ أن وجد المطعم الأول مغلق بالغلاف الأحمر (مغلق) إلى ذلك الكهل المنقذ وما بينهما من لحظات عصيبة ومحرجة ومقلقة...
قالت له أمه من هو ذلك الكهل؟؟
قال لها لا أعرفه !!!
قالت كيف لاتعرفه ؟؟؟ وكيف سنسدد له ما دفع عنا؟؟؟
قال لها أحمد أمي لم أسأله ولا أعرفه ونسيت أن أسأله... عاتبت أم أحمد إبنها أحمد وقالت له كان يجب أن تكون نبيها وتأخذ منه عنوانه او رقم هاتفه أو إسمه... قام أحمد وقبل رأس أمه وقال لها معتذرا... آسف أمي فاتني هذا الأمر وكان علي أن أتعرف على ذلك الكهل ولكن لشدة الموقف والارتباك فاتني أن أسأله... قالت له لا بأس أحمد ولكن عليك أن تكون نبيها متيقضا دوما...
خلدا إلى النوم وقبل الفجر الجميع تهيأ للصلاة إصطحب والده وعمه للجامع فرغا من الصلاة عادوا للمجلس وجدوا أم أحمد قد حضرت الافطار في المجلس تناولوا الإفطار..
دخل أحمد لتوديع أمه ودعها وهي تدعوا له بالتوفيق والعودة سالما ... غادروا المنزل واصلوا طريقهم وصلوا الديار المقدسة أدوا مناسك العمرة عادوا ....
(أوصلوا أحمد لأمه ثم ودعوه عند الباب وغادروا ...)
الفصل الثاني ...
مرت السنوات تليها السنوات وأحمد يواصل تعليمه متفوقا خلوقا ... متخطيا كل المراحل ... وأمه على ذات الثبات في دعمه من كل النواحي ... بأن يتمم تعليمه العالي وأنهى المستوى الجامعي بتفوق ... وكانت قد مرت أربعة عشر عاما أخرى منذ رحلة العمرة ....
كان أحمد ذلك الطفل الرضيع الذي إنفصلا والداه ولايزال رضيعا كان قد بلغ الثامنة والعشرون من العمر ... وكان عند الثامنة والعشرون قد تخرج والتحق بوظيفة حكومية مرموقة في جهة معنية بتقديم المعونات للمواطنين الغارمين والمديونين ... والناس تتردد على تلك الجهة التي يعمل بها أحمد شبه يوميا لتقديم طلباتهم...
وذات يوم لمح أحمد رجل كهل بلغ من العمر عتيا ... وقرأ على وجهه شحوب هم وإعياء ... دقق أحمد في ذلك الوجه وايقن أنه ذلك الكهل الذي انقذه في المطعم ... ذهب اليه فورا وأدخله مكتبه وقال له ياعم ماحاجتك؟؟؟
قال الكهل يا أبني لدي إبن تراكمت عليه ديون لم نستطع الإيفاء بها ونصحت بأن أكتب طلب أشرح فيه ماحل بنا .... وأنا رجل كبير وعليل ولم أعد أقوى على العمل أو الإيفاء بديون إبني المغرم السجين ...
قال له أحمد لا بأس ... طلب له ماء وقهوة وقال له إنتظرني برهات من الزمن ... ذهب أحمد لأكبر مسؤول في تلك المؤسسة وقال له حان الوفاء وأنت معين بعد الله ولن تخذلني في هذه اللحظة...
قال المسؤول عن أي وفاء تتكلم؟
رد أحمد : قول تم أرجوك
قال المسؤول لأحمد تم .
بدأ أحمد يسرد حكايته مع ذلك الكهل وكيف أنقذه من موقف محرج أن قاسمه الوليمة...
قال المسؤول وماذا يطلب هذا الرجل ؟؟؟
قال أحمد: إنه رجل بلغ به المرض والعمر والإعياء مبلغا... ابنه مغرم ومديون وسجين بمطالبات مالية ...
أمر المسؤول بسداد الدين كاملا وإخراج إبن الكهل من السجن ... وصرف مبلغ مالي مجزي لذلك الكهل ليعينه على أمور الحياة...
ذهب أحمد مسرعا للكهل ...
وقال له : عمي أبشر بالسهالة ...
تم الأمر بدفع كل ديون ابنك والأفراج عنه من السجن ... ولك أيضا مبلغ من المال يعينك على أمور الحياة...
عندها إغرورقت عينا الكهل بالدموع من شدة الفرح وبدأ يشكر ذلك الشاب ويسأله من أنت ... أيضا تأثر ذلك الشاب وبدأ يذرف الدمع ...
وهو يقول :
أنا ذلك الفتى الصغير ذو الأربعة عشر عاما الذي وجدته قبل أربعة عشر عاما في مطعم (......) و انقذتني من إحراج في ذلك العمر... كنت أدعو الله أن ألقاك... وقد إستجاب الله لي ... لأرد شيء من الجميل... ذهب أحمد للقسم المختص ليكمل الإجراءات وبعد أن انتهى ... قبل أحمد رأس وكف ذلك الكهل ..
ومضى كلا إلى حال سبيله...
ويبقى الوفاء ما بقي الأوفياء...
إنتهت
The End